كتاب الوجيز في فقه السنة الكتاب: الوجيز في فقه السنة والكتاب العزيز المؤلف: عبد العظيم بن بدوي بن محمد مقدمة المؤلف إن الحمد لله، نحمده ونس...
كتاب الوجيز في فقه السنة
الكتاب: الوجيز في فقه السنة والكتاب العزيز المؤلف: عبد العظيم بن بدوي بن محمد
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (١) .
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (٢) .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (٦٩) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (٣) .
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكلل ضلالة في النار (٤) .
ثم إن علم الفقه من أفضل العلوم وأشرفها، إذ به تصح العبادة التي هي الغاية من خلق الخلق، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦] (٥) .
وإذا كان أصل النجاة لا يحصل للعبد إلا بصحة التوحيد وسلامته عن شوائب الشرك، فإن تمام النجاة لا يحصل إلا بصحة العبادة وسلامتها من شوائب البدعة
(٤) هذه خطبة الحاجة التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستفتح بها خطبه ودروسه ومواعظه، وللعلامة الألباني رسالة نافعة فيها فراجعها.
ولقد جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقه العبد عنوان إرادة الله به الخير، فقال - صلى الله عليه وسلم "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين" (١) .
"وعظمة هذا العلم وشرفه قبل عن الوصف والإحاطة، ذلك أنها أحكام تساير المسلم وتلازمه في عموم مسالك حياته فيما بينه وبين ربه.
فبها يشد حبل الاتصال بعبادة ربه في علانيته وسره، من طهارة، وصلاة، وزكاة، وصيام، وحج ونسائك.
وبها ينشر راية الإِسلام، ويرفع منار القرآن، وذلك في فقه الجهاد والمغازي، والسّيَر، والأمان والعهد، ونحو ذلك.
وبها يتطلب الرزق المباح، ويبتعد عن مواطن الإثم والجناح، وذلك في فقه المعاملات من بيع وشراء، وخيار، وربا، وصرف، وما جرى مجرى ذلك مما يرتبط بمعاملات الخلق المالية لبعضهم مع بعض، وبها تجرى الأمو الذي وظائفها الشرعية من وقف ووصية ونحوهما من أحكام التصرفات المالية.
وبها يقف على فقه الفرائض المحكمة فيسعد بنصف العلم، وتستقر الأموال في يد أربابها على أعدل قسمة وأتم نظام. وبفقهها ينعم بالحياة الزوجية الشرعية، وما يلحق بها من الأحكام.
ويحيط بمدى محافظة الإِسلام على ضروريات الحياة المشمولة باسم: الجنايات، والديات، والحدود والتعزيرات، فيعيش في أمن وأمان، وراحة بال واستقرار.
وهكذا في أحكام الأطعمة والنحائر، والنذور والأيمان، وفي مباحث التقاضي وقواعده وطرقه وأحكامه: موطن تحقق العدالة وفصل الخصام، فتقر الحقوق في أنصبائها، وتعاد الظلامات إلى أهلها" (٢) .
(١) متفق عليه: [البخاري (٣٣١٦) ومسلم (١٠٣٧) وابن ماجه (٢٢٠) ] .
(٢) مقدمة الشيخ بكر أبو زيد في "التقرب لفقه ابن قيم الجوزية" (١/ ٦،٧) .
ولما كانت "الشريعة كلها ترجع إلى قول واحد في فروعها وإن كثر الخلاف، كما أنها في أصولها كذلك، ولا يصلح فيها غير ذلك، والدليل عليه أمور:
من ذلك قوله تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} (١) فنفي أن يقع فيه الاختلاف ألبتة، ولو كان فيه ما يقتضي قولين مخلتفين لم يصدق عليه هذا الكلام على حال.
وفي القرآن {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} الآية (٢) . وهذه الآية صريحة في رفع التنازع والاختلاف، فإنه رد المتنازعين إلى الشريعة، وليس ذلك إلا ليرتفع الاختلاف، ولا يرتفع الاختلاف إلا بالرجوع إلى شيء واحد، إذ لو كان فيه ما يقتضى الاختلاف لم يكن فيِ الرِجوع إليه رفِع تنازع، وهذا باطل.
وقال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} (٣) .
والبينات هي الشريعة، فلولا أنها لا تقتضي الاختلاف ولا تقبله ألبتة لما قيل لهم: من بعد كذا، ولكان لهم فيها أبلغ العذر، وهذا غير صحيح. فالشريعة لا اختلاف فيها.
والآيات في ذم الاختلاف والأمر بالرجوع إلِى الشريعة كثيرة، كله قاطع في أنها لا اختلاف فيها، وإنما هي على مأخذ واحد وقول واحد. قال المزنىُّ صاحب الشافعي: ذمّ الله الاختلاف وأمر عنده بالرجوع إلى الكتاب والسنة.
والثاني: أن عامة أهل الشريعة أثبتوا في القرآن والسنة الناسخ والمنسوخ على الجملة، وحذّروا من الجهل به والخطأ فيه، ومعلوم أن الناسخ والمنسوخ إنما هو
فيما بين دليلين يتعارضان بحيث لا يصح اجتماعهما بحال، وإلا لما كان أحدهما ناسخا والآخر منسوخا، والفرض خلافه، فلو كان الاختلاف من الدين لما كان لاثبات الناسخ والمنسوخ -من غير نص قاطع فيه- فائدة، ولكان الكلام في ذلك كلامًا فيما لا يجنى ثِمرة، إذ كان يصح العمل بكل واحد منهما ابتداء ودواما، استنادا إلى أن الاختلاف أصل من أصول الدين، لكن هذا كله باطل لإجماع، فدل على أن الاختلاف لا أصل له في الشريعة وهكذا القول في كل دليل مع معارضه، كالعموم والخصوص، والاطلاق والتقييد، وما أشبه ذلك، فكانت تنخرم هذه الأصول كلها، وذالك فاسد، فما أدى إليه مثله.
والثالث: أنه لو كان في الشريعة مساغ للخلاف لأدى إلى تكليف مالًا يطاق، لأن الدليلين إذا فرضنا تعارضهما، وفرضناهما مقصودين معًا للشارع: فإما أن يقال إن المكلف مطلوب بمقتضاهما، أوْلا، أو مطلوب بأحدهما دون الآخر، والجميع غير صحيح.
فالأول يقتضي "افعل" ، "لا تفعل" لمكلف واحد من وجه واحد، وهو عين التكليف بما لا يطاق.
والثاني باطل، لأنه خلاف الفرض، وكذلك الثالث، إذ كان الفرض توجه الطلب بهما، فلم يبق إلا الأول، فيلزم منه ما تقدم.
والرابع: أن الأصوليين اتفقوا على إثبات الترجيح بين الأدلة المتعارضة إذا لم يمكنْ الجمع وأنه لا يصح إعمال أحد الدليلين المتعارضين جزافًا من غير نظر في ترجيحه جملى الآخبر. والقول بثبوت الخلاف في الشريعة يرفع باب الترجيح جملة، إذ لا فائدة فيه ولا حاجة إليه على فرض ثبوت الخلاف أصلًا شرعيًا لصحة وقوع التعارض في الشريعة، لكن ذلك فاسد، فما أدى إليه مثله" (١) .
أقول: لما كانت الشريعة كلها ترجع إلى قول واحد في فروعها وإن كثر الخلاف، كما أنها في أصولها كذلك، أحببت أن أكتب كتابًا في الفقه، مقتصرًا
فيه على القول الواحد الراجح بما رجحه الدليل الصحيح الثابت سالكًا في ذلك سبيل أهل الاجتهاد والتحقيق، والنظر العميق، الذين حرروا الوقائع، وبينوا النوازل، وساقوا لها صنوف الأدلة من مشكاة النبوة، سائرين مع السنن حيث سارت ركائبها، متجهين معها حيث كانت مضاربها، فأخرجوا بذلك للناس علمًا جما، وفكرا خصبا جاريا على أسعد القواعد وأرشدها.
وهذا النوع من الفقه هو أصلًا حظ أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لقوه إلى التابعين لهم بإحسان، وهكذا تلقفه من تبعهم بالحسنى، فدّونوه على هذا النمط الكريم، والمنهج السليم (١) .
كتاب الطهارة. كتاب الصلاة. كتاب الصيام. كتاب الزكاة. كتاب الحج. كتاب النكاح. كتاب البيوع. كتاب الأيْمان. كتاب الأطعمة. كتاب الوصايا. كتاب الفرائض. كتاب الحدود. كتاب الجنايات. كتاب القضاء. كتاب الجهاد. كتاب العتق.
وسرّ هذا الترتيب: أن الله تعالى خلق الخلق ليعبدوه، وبالإلهية يفردوه، ولما كانت الصلاة أصل العبادات وعمود الدين فقد بدأت بها، وإنما قدمت عليها كتاب الطهارة لأن الطهارة شرط من شروط صحتها، والشرط مقدم على المشروط.
ولما كان الصيام لله تعالى وهو يجزى به -كما في الحديث- فقد ألحقته بالصلاة، وقدمته على الزكاة تقديما للعبادات البدنية على العبادات المالية فقط وهي
(١) اقتبست هذه الجملة بمعناها من مقدمة "التقريب" المشار إليها سابقًا.
الزكاة، والبدنية المالية وهي الحج. ولما كان النكاح سبب وجود العابدين فقد جعلته أول كتاب بعد كتب العبادات، ثم أتبعته بالبيوع لأن الناس الموجودين من النكاح لا يزالون يبيعون ويشترون. وقد جرت العادة بكثرة الأيْمان في البيوع ولذلك ألحقت كتاب البيوع بكتاب الأيْمان لبيان ما يصح منها وما لا يصح. ثم أتبعت ذلك بكتاب الأطعمة والوصايا والفرائض، ثم الحدود والجنايات، ولما كان القضاء -غالبا- هو الذي يفصل في الفرائض، و- دائما- في الحدود والجنايات، إذ لا يؤذن في إقامة الحدود لأحد إلا للحاكم أو نائبه، فقد أتبعت ذلك بكتاب القضاء.
ولما كان المسلمون مكلفُين بعد إقامة دين الله في أنفسهم بالسعى لإقامة دين الله في أرض الله ودعوة الناس إلى عبادة الله، وجرت العادة في كل زمان ومكان بوجود من يصدْ عن سبيل الله، ويمنع الدعاة من تبليغ دين الله، فقد تكلمت عن الجهاد وأحكامه، ولما كان من نتائج الجهاد وجود الرقيق -أحيانا- وهم أسرى الحرب من الكفار والمشركين، فقد جعلت كتاب العتق بعد الجهاد لبيان ترغيب الإِسلام في العتق، والأنعام على أسرى الحرب الحرية.
والحكمة في جعل كتاب العتق آخر كتاب في كتاب الوجيز هى الطمع في أن يجعل الله هذا العمل سبب عتقى من النار إنه سبحانه هو العزيز الغفار.
والله العظيم أسأل أن أكون وفقت فيه للصواب وأن يثيبني عليه، وأن يغفر لي ما كان فيه من خطأ.
وأن ينفع به المسلمين. والحمد لله رب العالمين.
عبد العظيم بن بدوي الخلفي (لقبا)
بمنزلي الكائن في قريتي الشين/ مركز قطور/ غربية
COMMENTS